نظرة إسرائيل للملك فاروق
قلقت إسرائيل (الدولة الوليدة) جداُ من خلع الملك فاروق وخصوصاُ أن من قاد ثورة الضباط الأحرار كان الجنرال محمد نجيب الذي قاتل اليهود في فلسطين وجرح ثلاث مرات، واعتبرت إسرائيل الحدث أنه دراما سياسية: فقد لا تجد إسرائيل من تتكلم معه في الجانب المصري، وصرح مراسل صحيفة "دفار" حينها:
"إن نجيب يتمتع بسمعة طيبة، فهو لم يكن جزء من عدم إمداد الجيش المصري بالسلاح الناقص، وحذرت الصحف الإسرائيلية وقتها من أن الضباط الأحرار لهم علاقة مع الحركة الراديكالية "الإخوان المسلمون"، وملأت إسرائيل فمها بالماء لسيطرة أناس وصفوا أنهم "حاميين الراس " وديماغوجيون يسيطرون على الشارع والشارع يسيطر عليهم" .[1]
أما بالنسبة للملك فاروق نفسه فقد ذكرت إسرائيل أن الملك فاروق بدأ بتطوير منظومة صواريخ في العام 1950 ليعوض هزيمته أمام إسرائيل ليصيب عصب إسرائيل فقد عقد صفقة شراء لصواريخ FROG-4 ,FROG-5 من الاتحاد السوفييتي وكذلك تم استقدام علماء المان ممن عملوا مع هتلر وذلك لتطوير صواريخ V-2، وعلى رأس هؤلاء وقف العالم الذي كان مقربا جداُ من هتلر الدكتور ولهام فوس والذي كان مسئولا عن مشروع سكودا في تشيكوسلوفاكيا وهو نفسه الذي توسط في صفقة السلاح التشيكية فيما بعد في العام 1955 .[2]
وبالرغم من أفول فترة الملك فاروق إلا ان الباحثين الإسرائيليين يحاولون رصد تأثير تلك الفترة على المصريين لمقارنتها مع حكم الضباط الأحرار فهذا الباحث جويس فان دي بلدط يكتب بحثا بعنوان "الحنين للملكية بمصر"متوصلا الى نتيجة أن المصريين باتوا يترحمون على الملك فاروق وهذا ما يظهر على صفحات الفاسبوك ، وهذا نابع من شعور المرارة من عدم توفر الثبات والامن والرفاه الاقتصادي ، هذا الحنين الذي ينظر للفترة الملكية بنظارات وردية نابع من فقدان الامل للمستقبل ، الاهتمام بالمقابلة التي أجرتها الأميرة فريال والأميرة فضيلة وكذلك اهتمام المصريين بزيارة القصور الملكية التي تحولت إلى متاحف دفعت المصريين لتغيير كثير من آرائهم حول ما تعلموه في المدارس عن العائلة الحاكمة ، وحتى أن صحيفة الأهرام قد كتبت عن الذكرى المئتين لحكم محمد علي لمصر الذي اعتبرته سبب النهضة الحديثة لمصر ، ولعل مسلسل الملك فاروق الذي بث في العام 2007 قد عكس حرية بالرأي افتقدتها مصر فيما بعد ،فالمسلسل قدم الملك فاروق كخصم لبريطانيا وليس كلعبة بيدها –كتاب كبار مثل أسامة عكاشة اعتبروا المسلسل أنه دعوة للعودة للملكية- والمسلسل أنتج من قبل السعودية التي تهدف لإعادة الملكية والإساءة لعبد الناصر والثورة . إن أحداث 2011و 2013 أثبت أن النظام الجمهوري قد فشل، وبالتالي فقد تم الاهتمام بدعوة الأمير عثمان رفعت إبراهيم سليل العائلة المالكة لعودة الملكية في مصر الذي استشهد بإسبانيا التي عادت للملكية بعد الحرب الأهلية، وإسبانيا اليوم دولة ديمقراطية حديثة، ودعا حسام شلتوت لتنصيب ابن الملك فاروق احمد فؤاد ملكاُ على مصر، إن الحنين للفترة الملكية أو حتى لفترة جمال عبد الناصر إنما تنبع من الشعور بالفشل لثورة 2011.[3]
(يلاحظ أن فكرة الملكية قد طرحت في أماكن أخرى مثل أفغانستان بعد إسقاط حكم طالبان وفي العراق بعد إسقاط الرئيس صدام حسين).
نظرة إسرائيل للرئيس جمال عبد الناصر
يلخص أرشيف الدولة شخصية عبد الناصر بأنه "الخصم المر" لإسرائيل: فلقد إشترك بحرب 1948، وحكم مصر في حربي 1956 و1967، وهو الذي قاد مسيرة العداء ضد إسرائيل، بل استغل محاولاته لزعامة أفريقيا والعالم الثالث لترسيخ هذا العداء، هو الذي بادر بحرب الاستنزاف في العام 1969.وقبل وفاته بفترة قصيرة وافق على مشروع روجرز.[4]
عند تولي عبد الناصر الحكم بعد الرئيس محمد نجيب في العام 1954، أرسل رئيس الوزراء و وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه شريت رسالة لعبد الناصر بشان المعتقلين اليهود في مصر الذين اتهموا بتفجيرات القاهرة وبشأن أسر ملاحي سفينة "بت غليم" رد عبد الناصر على الرسالة ولكنه لم يلتزم بشيء،وبالفعل تم إعدام إثنين من اليهود المصريين ،وأشار الأرشيف أن عبد الناصر وافق على مفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...ودلالة على اهتمام إسرائيل بالتعرف على شخصية عبد الناصر نشر الأرشيف الإسرائيلي إفادة أجريت في العام 1959 مع يهوديتين مصريتين هاجرتا من مصر لفلسطين المحتلة وادعتا انهما كانا يجاوران عبد الناصر وأفادتا أن عبد الناصر يربي أبناء عائلته على كره اليهود .[5]
شكلت حرب 1967 مفترق طريق لسيرة جمال عبد الناصر، وهذا ما عبر عنه الرئيس أنور السادات بالقول:
"من يعرف جمال عبد الناصر علم أنه لم يمت في 28 سبتمبر 1970 انما مات في 5 يونيو 1967، بساعة واحدة بعد اندلاع الحرب "[6] .
وعبر الجنرال عموس يدلين رئيس الاستخبارات العسكرية عن حرب 1967 بأنها شكلت ليس، فقط، هزيمة للجيوش العربية وعلى رأسها الجيش المصري، بل هزيمة للقومية العربية الاشتراكية التي قادها جمال عبد الناصر، هذه الهزيمة هي التي هيأت لنمو الإسلام السياسي ولتحويل الإسلام السياسي الى مهيمن على الأحداث ليتواجه الإسلام السني (بعد أحداث الربيع العربي) مع الشيعي والتيارات السنية فيما بينها. لتصبح المواجهة مع إسرائيل في الهامش.[7]
[1]رافي من(لا يوجد من نتكلم معه)، العين السابعة ،12011.
[2](المصدر السابق).
[3]بيلدط، جويس (الحنين للفترة الملكية)، معهد دراسات الشرق الأوسط-جامعة تل أبيب، المجلد 7، العدد 2، 5 شباط 2017.
[4]יارشيف الدولة (ارخيون همديناه) ،ردات فعل إسرائيل لوفاة زعيم العالم العربي .
[5]ارشيف الدولة (مصدر سابق).
[6]يريف بليغ (حرب الاستنزاف: مرحلة بعد مرحلة)، يديعوت احرونوت ،12/9/2013.
[7] عاموس يدلين (حرب الأيام الستة في يوبيلها الذهبي)، معهد أي أن أس إس،1/1/2017.
يتبع